• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اجترار الفشل يهدد نظام الدولة في العراق

د. حسين أحمد السرحان

اجترار الفشل يهدد نظام الدولة في العراق

فوضى السياسات

لا مبالغة في القول إنّ أهم ما يؤخذ على النظام السياسي المشكّل في العراق بعد عام 2003 هو أنّه نظام مولد للأزمات في شتّى قطاعات الحياة بدءاً من تفجير المراقد المقدّسة في سامراء مروراً بالأزمات الأمنية والسياسية وتنامي الجماعات الإرهابية وسيطرتها على مساحات واسعة من العراق وجريمة سبايكر والصقلاوية، وقضايا الاغتيالات المستمرة، والانتخابات البرلمانية الأخيرة، وانعدام الخدمات... إلخ وليس انتهاء بحادثة العبارة في الموصـل في الحادي والعشرين من أذار الجاري والتي أودت بحياة ما يقارب الـ200 مواطن أكثرهم من النِّساء والأطفال.

كلّ هذه الأزمات تدلل على أنّ النظام الحالي ليس فقط لا يتناسب وعملية إعادة بناء الدولة التي طمح لها العراقيون بعد التغيير السياسي عام 2003 فحسب، بل إنّه فاق التوقعات بالسلبية والفوضى التي رأى الكثير من المراقبين والمختصين أنّها النتيجة الطبيعية لمرحلة ما بعد الاحتلال عسكري وإسقاط نظام سياسي بالقوّة العسكرية.

هذه السلبية والفوضى تبعث بصور مخيفة ومرعبة عن الحياة العامّة في العراق للداخل والخارج، وهذا الأمر له تداعياته السلبية على قطاعات السياسة والاقتصاد والأوضاع الصحّية والاجتماعية والثقافية، ويضعف كثيراً من النظام العامّ ويبعثر ثقة المحكومين بالحاكم، ويُفقد العقد الاجتماعي قيمته.

كلّ هذه الإشكاليات والأزمات تدلل على أنّ المعالجة لا يمكن أن تكون جزئية أو من اتجاه واحد، بل تتعزز الحاجة يوماً بعد آخر إلى إعادة النظر بالنظام السياسي وعناصره وقواعده والسلطات وباقي النُّظم الإدارية والرقابية. وألا ما يتم اعتماده من إجراءات ترقيعية في هذه الوزارة أو تلك، وفي هذه المحافظة أو تلك بعد الحوادث الكارثية لا تعبر عن رؤية جريئة تجاه تصحيح وتقويم مسار النظام.

ولكن على القوى السياسية والنُّخب الفاعلة أن تدرك أنّ مساحة الإصلاح الذاتي من داخل النظام ومؤسّساته وسلطاته تنحسر يوماً بعد آخر، وبالتالي انحسار تلك المساحة لا يبقى فرصة لإصلاح النظام ذاتياً، بل يتطلّب الأمر حينها التحرّر من عنق الزجاجة وإعادة البناء من جديد على أنقاض النظام السابق. وفي ظل الأوضاع والتحدّيات الإقليمية والجيوبولتيكية الدولية ومعادلة الصراع والتنافس الجيوسياسي الإقليمية ستكون عملية إعادة البناء شاقة ومكلفة.

لذا لا مناص من الوقوف بجرأة والتوجه نحو العمليات الإجرائية لإصلاح النظام السياسي وسلطاته ومؤسّساته بدءاً من تعديل الدستور ومن ثمّ استكمال الأُطر التشريعية الساندة لعمل السلطات والمؤسّسات الرقابية والضامنة لإبعادها عن التأثير السياسي (الحزبي) ومنظومات الفساد الراغبة بتعزيز موقعها كمعادل موضوعي لمؤسّسات الدولة.

أثبتت التجربة أنّ فرص مواجهة الفساد في السنوات القليلة بعد عام 2003 كانت كبيرة ولكن سرعان ما انحسرت، الأمر الذي جعل محاربة الفساد في هذه المرحلة تعني بشكل أو بآخر مواجهة نظام الدولة ككلّ وضرب مفاصله بعد أن باتت منظومات الفساد جزءاً كبيراً من نظام الدولة. وبالتالي لا يمكن للسلطات التنفيذية والرقابية وحتى القضائية أن تشرع بهذا الاتجاه لكي لا تستهدف النظام القائم وتتلافى انهيار أركانه وبالتالي العودة إلى المربع الأوّل وربّما حينها لن تتوفّر البيئة المحلية والدولية والمستلزمات لبناء نظام جديد.

ارسال التعليق

Top